الاخوان و المرزوقي المهزوم يتلاعبان- المنصف المزغني
منصف المزغني
انتهى التشنّج بين الرئيسيْن المتنافسيْن ، وهاتَفَ منصف المرزوقي خصمَهُ الباجي قائد السبسي مهنئا وثمّن الأخير هذه للمهاتفة كفعل حضاريّ ، بل أكّد أنّه سوف يحتاج الى "خبرة " الرئيس السابق " ونصائحه "، وأمّا راشد الغنوشي ، فقد بعث رسالة تهنئة للمنصور ورسالة تهدئة لجمهور المهزوم .
الاخوان و المرزوقي المهزوم يتلاعبان
1-انتهى التشنّج بين الرئيسيْن المتنافسيْن ، وهاتَفَ منصف المرزوقي خصمَهُ الباجي قائد السبسي مهنئا وثمّن الأخير هذه للمهاتفة كفعل حضاريّ ، بل أكّد أنّه سوف يحتاج الى "خبرة " الرئيس السابق " ونصائحه "، وأمّا راشد الغنوشي ، فقد بعث رسالة تهنئة للمنصور ورسالة تهدئة لجمهور المهزوم .
2-
ارتاح اكثر من نصف الشعب لهذه النتيجة ، وكان من الطبيعي أن يغضب أقلُّ من نصف الشعب الباقي ، ولم يمرَّ انتصارُ صندوق السبسي على المرزوقي دون غضبٍ يمكن التماسُ فهمه ، ولكن دون عذر، فقد كانت صناديق اقتراع الجنوب التونسي ترشحُ وَ تطفحُ بل وَ تشطحُ بالأصوات لصالح المرزوقي ، ومن كان في الجنوب وعاش مع الناس رأى بعينه وسمع بأذْنه كيف أنّ الناس مجمعون على رئاسة الابنِ المتبنَّى مؤقّتًا من قِبَلِ النهضة ،وابنِ قبائل الجنوب . واذا كان اسم المرزوقي هو الأبرز في الجنوب بفارق مهولٍ بينه وبين خصمه الباجي ،فإنّ الأخير كان الأبرزَ في الشمال بفارق أكثرَ هولاً وإرعابًا للخصم، فهناك حوالي 350 ألف صوت شكّلت الفارقَ الفاصلَ الذي حسم المعركة على كرسيّ الرئاسة التونسية الاخيرة لصالح الباجي قائد السبسي .
3-
اجتازت تونس امتحانها السياسي التشريعي والرئاسي ، فحزبُ المرزوقي لم يفز الا بإربع مقاعد في البرلمان ، و ترشح باعتباره مستقلاّ ولا يمثل اي حزب ، ولا بد من قواعد للدخول الى الانتخابات الرئاسية ، ولكن لا قواعد له غير أنفار معدودين من حزب (المؤتمر من اجل الجمهورية ) الذي أسسه المرزوقي ، وتبين ان تسميته العلمية والعملية الصحيحة هي حزب المؤتمر من اجل رئاسة الجمهورية) " ، وهذا الحزب ، على صغر حجمه ، قد تفتّت في أحزاب صغيرة .
4-
كان لا بدّ للمرزوقي أن يفوز ضدّ مصطفى بن جعفر ( ضرّته في الزواج السياسي مع الاخوان ) في سباق الحبّ نحو حركة النهضة التي لم تترشّحْ للرئاسة ، فكان للمرزوقي الحبّ والتعاطف والتأييد من قواعد النهضة ال "جاهزة" للثورة ، ولحماية " الثورة " مع الرئيس "الثائر " الذي بدأ يحسّ بعد التشريعية ( أكتوبر 2014 ) أنّ عضلاته السياسية باتت أقوى بجمهور مستعار يمكن ان يستوليَ عليه و يهاجر من النهضة لنصرة المرزوقي ، فقد كان هذا الجمهور هو السلّم الذي عليه ارتقى سدةَ الرئاسة في الدورة الاولى (نوفمبر 2014 )، والآن يمكن ان يكون جمهور النهضة الناخب هذا ، هو السجاد الأحمر التي يمكن أنْ ينفرشَ أمام المرزوقي للوصول الى الرئاسة من جديد، فَهمُّ المرزوقي الأكبر هو أن يصبح منتَخَبًا،لا مؤقّتًا ، وخوف المرزوقي الأكبر هو إن يكون مصيره السجن مثل المصريّ مرسي .
لقد أحسّ المرزوقي انه قريب بصفة شرعية من قصر قرطاج ، وبإرادة الشعب ، بعيد عن أيّ التباس .
و أحسّ أيضاً أنّه أرهق أعداءه في إحصاء أخطائه ، ولكنه لم يتمتّعْ بالقصر، ولم ينعم بالشرعية ، وفرحته تتمثل في أنْ يفوز بها، و يولدَ رئيساً منتخبًا خارجًا من حرارة صندوق الاقتراع لا من جبة شيخ الإجماع .
5-
ا) - كان لا بدّ من "لابُدّاتٍ " في حملة رئاسية :
----------------------------------
لابدّ للمرزوقي من شعارات وموادّ سياسية لملء الفراغ في الجموع المحتشدة / ولا بدّ له ان يلعب كرة القدم لإغاظة الباجي / ولا بدّ من رقصة مع الجماهير في أماكن لا يستطيع الباجي وطْء هوائها / ولابدّ أن يلبس البرنس التونسيّ / وَلا بدّ من الكرافات العصرية / ولا بدّ من تقديم حساب بكل ممتلكاته/ ولا بد ّ للدكتور ان يقدّم شهادة طبية تفيد قدرته الصحية على أعباء الرئاسة / ولا بدّ أن يجوبَ أنحاء البلاد شمالا وجنوبا ووسطا وشرقا وغربا / ولابد ان يخطب في المناطق التي تحبه ، وحتى حيث طاردته الجماهير مطاردة حتى يرحل دون ان يقول كلمة واحدة .
ب ) - ولا بدّ من "إذَاءَات" استباقية :
------------------------
اذا نجح الخصم ، فلأنه زوّر النتائج / واذا نجح فلأنّ الاعلام لم ينصفه / واذا نجح الآخر فلأنّ القوى الأجنبية مكنته من الرئاسة عبر المال السياسي الذي لا يحبّ النصر للربيع العربيّ .
ج) - ولابدّ من وعيد وَ وُعود :
----------------
قال المرزوقي إنّ له برنامجَ تصفية: " إن المعركة لا تزال متواصلة مع المنظومة القديمة ويجب تصفيتها سياسيًا وثقافيًا وحضاريًا" وأمام احتمال عودة الدكتاتورية ،فإنّه الضامن للحريات ، ولطمأنة جانب من جمهور لا يحبه ولكن يخافه ، قال المرزوقي : "نحن أمام خطر عودة الديكتاتورية وتعطيل تشكيل الحكومة المقبلة، وسأتعامل مع أي حكومة في حال فوزي بالرئاسة، وأكذّبُ كل ما يروَّجُ عن إمكانية حليّ للبرلمان" .
6-
حين قال الصندوق : لا،كان جواب المهزوم جاهزًا ، ولم يشأ المرزوقي إلاّ أن يعلّق على فشله الصندوقيّ بالفهم الاستهلاكيّ السوقيّ ، فلقد ظن بإمكانه ان يستولي َ على الجماهير الساخنة التي باتت رأسماله الانتخابي، وتوهّم انها ستواصل حبّها الوفيّ رغم فقره الواضح ، وتعتبره رمزَ الربيع البديع ، وهي وفيّة ٌ له ، ولكنه لا يثق في أيّ صديق ، وما عليه إلاّ أن يتمسّك بمنتخبيه و يغريهم بأيّ ثمن ، وفي الحين فقد كان متمثلا القول الفرنسي : اطرُق الحديدَ ما دام ساخنا !
كيف ؟
سوف يتذكر المرزوقي أنّه مستقلّ و مستقيلٌ من حزبه ( المؤتمر من أجل الجمهورية ) الذي كان زورقًا ورقِيّا أوصله إلى شاطىء الرئاسة ، وسوف يتنبه إلى أنّ جماهيره باتت أكبر من قواعد "النهضة" نفسها ، وحدّد خارطة النقمة عند الناس ، وحسب الثورة عند البعض الاخر ، ولم يستطيع الإغراءَ إلاّ بتقديم هدية عاشق مقهور : الإعلان، من جديد، عن تمسكه بالمعشوق ، ولا مناص من "الإعلان عن حزب جديد"، وكأن ّ هذا هو مطلب الناخبين الناقمين الصابرين العاشقين !
7-
حين أعلن المرزوقي عن اسم الحزب الجديد الغريب ، لم يسمعْهُ في ذلك الطقس البارد ، وبين تلك الحشود ،إلاّ الناطق باسم حملته الانتخابية ، فكان كمن تلقّى صفعةً قويةً على وجهه، فأدار رأسه عن الكاميرا وهو يقول في سرّه ( الله ، ماذا سأقول في التبرير ؟ ) إنّ هذا الناطقَ شعر بالخرَس وبوطأة ما سمع من مفاجأة ، وعليه أنْ يفكّر في مخرج وتبرير ، فاسم الحزب المعلَن من قبل المرزوقي خلق ارتباكًا في أفهام الأمّيّين ، قبل عقول المثقفين حيث لا أحد استطاع أن يشرح اسم المولود الجديد فور الهزيمة :
"حركة شعب المواطنين " وصار " حراك شعب المواطنين " أو "حركة شعب المواطنين"
وتساءل الناس : هل هم من الشعب ؟ أم من المواطنين؟ وهل همُ الحراكُ الذكَرُ أم الحركةُٰ الأنثى ؟ أم هي معركةُٰ حركةٍ في حراك ؟ .
8-
قال المرزوقي في حملته الرئاسية :
- إذا كان هناك من يوحّد البلاد فهو أنا وليس خصمي الباجي قائد السبسي.
غير أنّ مجرد تسمية الحزب جعلت الناس يتفرقون، فهذا الرئيس المنتهية مهمته ، كان عاجزًا لا عن تأليف قلوب التونسيين ومصالحتهم مع أنفسهم ، ولكن برْهَنَ ، بالدليل القاطع على فشله الساطع في تأليف اسم لحزبٍ ، غالبية جماهيره مسروقة من قواعد النهضة وأحزاب أخرى .
9-
الملاحظ أنّ المناطق التي فاز فيها المرزوقي هي نفسها التي عرفت في التشريعيةُ "تغوّلَ " النهضة، وهكذا، فإنّ الاخيرة عرفت مرة رقمها الثاني في التشريعية من خلال مقاعدها في البرلمان ، وتأكّدتْ من وزنها الرئاسي الثاني من خلال آلةِ وزنٍ اسمها " منصف المرزوقي " ، وهكذا ، عاش الاثنان حصة ألعاب ، فكلاهما لعب بالآخر ، و (الحساب جيِّد ) كما يقول الفرنسيون ، بين الاخوان والمرزوقي .
بقلم الشاعر المنصف المزغني